تحرير الشيخ صبحي يوسف على الأحد، 03 شباط/فبراير 2019
فئة: مدونات عربية

هل طعن سيد قطب في سيدنا موسى عليه السلام؟

يروج القوم اتهام للشيخ سيد قطب رحمة الله، فينقلون كلاما عنه من كتابه ( التصوير الفني ) يتحدث فيه عن سيدنا موسى عليه السلام ويعتبرون هذا التعبير سخرية  وطعن في  الرسول الكريم الكليم الوجيه عند الله، فهل اتهامهم صحيح ؟وهل ماذكره سيد قطب يماثل ما ذكره أهل التفسير وأهل العلم؟.

باستعراض نص ماقاله الاستاذ سيد قطب

"...وهكذا نجد هارون أهدأ أعصابا وأملك لانفعاله من موسى , فهو يلمس في مشاعره نقطةً حساسة ويجيء له من ناحية الرحمة وهي أشدّ حساسية ويعرض له وجهة نظره في صورةِ الطاعةِ لا حسب تقديره وأنّه خشي وأنَّهُ خَشِيَ إِنْ هُوَ عالَجَ الأمورَ بالعنفِ أنْ يتفَرَّقَ بنوُ إسرائيل شِيعًا بعضُهَا معَ العِجْلِ وبعضُها مع نصيحةِ هارون, وقَدْ أمرَهُ بأنْ يُحافِظَ على بني إسرائيل ولا يُحْدِث فيهم أمْرًا..."

وهذا عندهم طعن فى نبى الله موسى وتفضيل لهارون عليه وأوجه النقد على سيّد قطب ها هنا أجملها المنتقدين في ثلاثة أوجه :

الوجه الأول: أنّ موسى عليه السلام في قصته مع أخيه هارون والسامري هو في مقامٍ من مقامات النبوَّة، ولا يستقيم أن يُقال هذا الكلام - وهو أن هارون أملك لأعصابه من موسى- في هذا المقام.

الوجه الثاني: فحوى هذه المقارنة بين هارون وموسى يوغر الصدر على تصرف موسى عليه السلام في إحراقه للعجل ودعوته على السامري وإنكاره على ما أتى قومه من بعده، وأنّ تهدأةَ أخيه له كانت أحق من هذه التصرفات.

الوجه الثالث: أنّ التفرق حصل في قوم موسى، وهو ما ذكره سيد رحمه الله في الغاية من تصرف هارون عليه السلام، فلا مزيّة في التفضيل هنا.

ونوضح هذا في عدة نقاط:

الأولى: إذًا إنّ جميع ما ذكروه من الانتقادات إنّما أخذ من مفهوم العبارة لا من منطوقها وفي كتب سيّد وعلى رأسها تفسيره في ظلال القرآن من العبارات والجمل الممجدة لأنبياء الله عموما ولموسى على وجه الخصوص الشيء الكثير فلما يِؤخذ بالمفهوم ومفهوم نصٍ واحد ويترك منطوق النصوص التي لا تعدّ ولا تحصى ...

ومفهوم العبارة إن صحّ إنما هو من لازمها لا ما يؤخذ منها بالمطابقة ولازم المذهب ليس بمذهب , والمفهوم ينبغي أن يعرض على صاحبه فإن قبله فهو كما فُهِمَ وإلاّ ردّ .. يضاف إلى ذلك كلـّه أنّ قوله "هارون أملك لأعصابه من موسى" لا يقدح في مقام نبوته من وجوه أهمّها : الأول: أن موسى نفسه أقر لهارون بالأفضلية في الفصاحة واللسان في مقام النبوة والبلاغ ، كما في قوله تعالى (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فارسله معي ردءا يصدقني).

الثانية: أن كون هارون أملك لأعصابه من موسى لا يعني التفضيل من كل الوجوه وأنه أفضل منه بإطلاق ، كما في الأية السابقة ، ألم يقل أهل العلم أنّ علي أفضل من أبي بكر رضي الله عنه من جهة كونه ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته ووالد أحفاده وحافظ ذرّيّته وهذا لا يقتضي تفضيله على أبي بكر من كلّ الوجوه فأبو بكر هو أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء بنص الحديث ...

الثالثة: أن هدوء أعصاب هارون نظرا لما يعلمه من قوم موسى إذا فعل ما فعل موسى بعد ذلك من تحريق العجل مما جعله يعلم أنهم سيفترقون بخلاف ما لو كان موسى موجود أصلا كما كان الحال ، فشدة موسى كانت مناسبة في مكانها ، وهدوء أعصاب هارون التي هي بدون شك يتفضل فيها عن موسى كانت في موقفها المناسب.

الرابعة: ما ذكره المفسرون لا يبعد كثيرا عمّا قاله سيّد قطب رحمه الله، فابن كثير رحمه الله استعمل ألفاظا مثل الخنق والجزع والغيظ ...في حقّ موسى عليه السلام واستعمل في حقّ هارون عليه السلام الرقّة الاعتذار الرهبة ... وليرجع الطاعنون الى تفسير ابن كثير كلام ابن كثير فى التفسير وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ) ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان في لسانه لثغة ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ، حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ; ولهذا قال : ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) [ طه : 27 - 32 ] أي : يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد . ولهذا قال : ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا [ يصدقني ] ) ، أي : وزيرا ومعينا ومقويا لأمري ، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل ; لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ; ولهذا قال : ( إني أخاف أن يكذبون ) . وقال محمد بن إسحاق : ( ردءا يصدقني ) أي : يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم عني]

* وننقل عن ابن القيم من كتابه ( إغاثة اللهفان ) باب : حكم طلاق الغضبان ... يقول : يقول ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} موسى "صلوات الله عليه" لم يكن ليلقي الواحا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على راسه الى الارض فيكسرها اختيارا منه لذلك ولا كان فيه مصلحة لبني اسرائيل ولذلك جره بلحيته وراسه وهو اخوه . وانما حمله على ذلك الغضب فعذره الله سبحانه به ولم يعتب عليه بما فعل اذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره فالمتولد عنه غير منسوب إلى اختياره ورضاه به يوضحه قوله تعالى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ فعدل سبحانه عن قوله سكن الى قوله "سكت" تنزيلا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي الذي يقول لصاحبه: افعل لا تفعل فهو مستجيب لداعي الغضب الناطق فيه المتكلم على لسانه فهو أولى بان يعذر من المكره الذي لم يتسلط عليه غضب يأمره وينهاه كما سياتي تقريره بعد هذا ان شاء الله وإذا كان الغضب هو الناطق على لسانه الآمر الناهي له لم يكن ما جرى على لسانه في هذا الحال منسوبا الى اختياره ورضاه فلا يتم عليه أثره ).

مما سبق أصبح واضحا أن القوم يتصيدون ويؤلون بغير هدي وأن عبارت سيد قطب رحمة الله عليه لا تحتمل ما كيلوا لها من اتهامات، وأنه لم يخرج عمن سبقه من أهل العلم والتفسير، ولم يبتعد قوله كثيراعن قول ابن القيم وابن كثير، فليتفكر أولو الألباب!!