وقت القراءة: 4 دقائق/دقيقة (751 كلمات/كلمة)

أيقونة الثورة بين المجد والهدم سردية جيلٍ حالمٍ وواقعٍ مرير

IMG-20250526-WA0001

في خضم أوضاع اقتصادية متردية، حيث بلغت نسبة البطالة بين الشباب نحو *20%-25%* في 2010م، وتراكمت الديون الخارجية لتصل إلى حوالي *34 مليار دولار*، وانتشر الفساد تحت حكم نظام أمني مركزي، اندلعت شرارة الثورة المصرية في *25 يناير 2011*.

لم تكن الهتافات المطالبة بالخبز والحرية والكرامة الإنسانية وليدة اللحظة، بل كانت نتاج تراكمات عقد من القمع والتفقير المُمنهج. هنا، برزت قوة الأدوات الرقمية كسلاحٍ غير مسبوق؛ فصفحة "كلنا خالد سعيد" التي أنشأها كل من *وائل غنيم وأحمد عبد الرحمن* عام 2010م حوّلت قضية شابٍ تعرّض للتعذيب حتى الموت إلى قضية رأي عام، جذبت أكثر من مليون متابع خلال أشهر، وحوّلت وائل غنيم من مبرمج مجهول إلى شخصية بارزة في المشهد الثوري.

*صعود الأيقونة: عندما التقى التكنولوجيا بالثورة*

لم يكن وائل غنيم مجرد ناشط عابر، بل كان مثالاً للشاب العربي الذي حوّل شغفه بالتكنولوجيا إلى منصة للتغيير. قبل الثورة، أسس موقع "IslamWay.com"، الذي أصبح مرجعاً للثقافة الإسلامية باللغة الإنجليزية، مما زوّده بمهارات في إدارة المحتوى الجماهيري استخدمها لاحقاً في قيادة الحملات الإلكترونية للثورة.

بعد انطلاق الثورة، صار اسمه محط أنظار الإعلام العالمي، وتصدّر قوائم "أكثر الشخصيات تأثيراً" في مجلات مثل *تايم وفوربس*، وبات رمزاً دولياً لثورة الشباب، حيث لقبته الصحافة الغربية بـ"وجه الثورة المصرية".

لكن هذا التتويج العالمي أخفى تحديات محلية؛ فداخل مصر، تعرض لهجوم من بعض التيارات السياسية التي اتهمته بالانفصال عن الواقع أو الانتماء السياسي الضبابي.

*انهيار الذات: بين كواليس الشهرة وأوهام الحرية*

لم يكن انهيار وائل غنيم مفاجئاً، فقد جاء بعد سنوات من التوتر النفسي والضغط المتواصل. تم اعتقاله في *فبراير 2011*، بعد أيام من نجاح الثورة، واستمر احتجازه لمدة *12 يوماً* دون محاكمة، تعرض خلالها لضغوط نفسية كبيرة وتعذيب ممنهج.

بعد إطلاق سراحه، اختار السفر إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ يشعر بثقل التوقعات الملقاة على كاهله. لم يكن يدرك آنذاك أن هذه الخطوة ستكون بداية انفصاله عن المشهد المصري، ومعه تبدأ رحلة طويلة من التيه العاطفي والنفسي.

في السنوات التالية، ظهر في مقاطع انتشرت على مواقع التواصل، تدل على حالة نفسية صعبة، وربما تعاطيه مواد مخدرة، كما كُشِف في مقابلات متفرقة عن صراعه مع الاكتئاب والوحدة. كان يواجه أيضاً صراعاً قانونياً حول حضانة أبنائه، وصراعاً داخلياً مع فقدان الدور الذي كان يلعبه.

تحوّل من رمز ثوري إلى شخصية مُهمَشة، فيما تحوّلت الثورة نفسها إلى ذكرى مُرة، تتبدد أمام عودة النظام الأمني بأقسى صوره.

*عودة محتملة: بين التوبة الاستراتيجية وإعادة كتابة السردية*

في السنوات الأخيرة، بدأت مؤشرات على محاولة وائل غنيم لإعادة بناء نفسه علناً، عبر نشره مقاطع فيديو عن التنمية الذاتية، واشتراكه في برامج إعادة تأهيل، كما ظهر في مقابلات تلفزيونية تتحدث عن تجربته الشخصية.

رغم عدم وجود إعلان رسمي عن "عودة سياسية" أو "اجتماعية" كاملة، فإن هذه الخطوة تطرح تساؤلات: هل يمكن لإنسانٍ أن يعيد تشكيل سردية حياته بعد أن تحوّل إلى أسطورةٍ مكسورة؟ أم أن هذه مجرد محاولة لاستعادة هوية ضائعة؟

فالثورة المصرية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، وحتى رموزها الذين حافظوا على صورتهم لم يعودوا قادرين على حشد الجماهير. هل تكون هذه العودة محاولةً أخيرة لإنقاذ الذات، أم إحياءً لرمزيةٍ ثوريةٍ تحتاجها الأجيال الجديدة؟

*رمزية الجيل: أحلام مُعلّقة على جدار الواقع*

قصة غنيم ليست فريدة، بل هي جزء من تراجيديا جماعية عاشها جيل السبعينيات والثمانينيات المصري. دراسات أشارت إلى أن نسبة كبيرة من النشطاء الذين شاركوا في الثورات العربية عانوا من مشكلات نفسية، كالاكتئاب أو القلق أو حتى الإدمان، نتيجة الضغوط والخسائر التي تكبّدوها.

في مصر، تحوّل كثيرون من "أطفال الثورة" إلى كائناتٍ أشباح: أحمد دومة في السجن، علاء عبد الفتاح في غيبوبة الموت البطيء، وميدان التحرير نفسه تحوّل إلى ساحةٍ للعروض العسكرية. حتى أولئك الذين اختاروا المنفى، مثل المخرج أحمد عبد الله، يعيشون صراعاً يومياً مع ذاكرة الثورة التي تبدو كحلمٍ بعيد.

هذا الجيل، الذي صدّق لحظةً أن التغيير ممكن، وجد نفسه أمام خياراتٍ قاسية: الانكسار، أو الاندماج في النظام، أو الهروب إلى هامش الحياة.

*سؤال الهوية: متى يصبح الفشل فردياً؟ ومتى يكون نظاماً؟*

السؤال الأكبر: هل كان انهيار رموز الثورة حتمية تاريخية؟ الواقع يقول إن الأنظمة الاستبدادية تتعمد تحطيم الرموز الثورية، سواء عبر القمع المباشر، أو تشويه السمعة، أو تركيز الضغوط النفسية عليهم.

ووفقاً لدراسة نشرتها *مؤسسة الفكر العربي*د* ضمن سلسلة "دراسات مستقبلية"، فإن *القهر السياسي المستمر يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الصدمة الجمعية"، وهي حالة نفسية تُصيب النشطاء والقيادات المعارضة نتيجة التعرض للعنف المؤسسي، والاعتقالات، والتشريد، والتخوين، مما يُضعف من قدرتهم على الاستمرار في العمل العام*.

وأضافت الدراسة:
> "الأنظمة الشمولية لا تكتفي بإسكات الأصوات المعارضة، بل تسعى إلى تدمير شخصيتها الاجتماعية والنفسية، حتى تتحول من رمزٍ مُلهِمٍ إلى حالةٍ مأساوية، تُستخدم لتخويف الآخرين من خوض ذات الطريق."

*الخاتمة: أيقونة لا تزال *

ربما لن يعود وائل غنيم أبداً إلى الصورة التي عرفه بها العالم. لكن حتى لو بقي في الظل، فإن ما تمثله شخصيته - شابٌ حوّل الإنترنت إلى سلاحٍ للحرية - لا يزال يحمل في طياته وهجاً من الثورة، ولو كان ذلك فقط في ذاكرة جيلٍ لم يُكتب له أن يرى الحلم الذي آمن به.

السلفية من منهج النبوة إلى غياب البصيرة
The Philosophy of Torture and Tyranny: From the Fr...
 

تعليقات

لا تعليق على هذه المشاركة بعد. كن أول من يعلق.